كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
طارق كاريزي 08/01/2022

العراق والتعددية المتعثرة

هل قدر للعراق منذ تأسيسه قبل قرن ان يعيش دوام حالة عدم الاستقرار؟ وهل كتب لشعبه ان يعيش القلق طوال مئة عام؟ هل.. وهل؟ الاسئلة تتوالي بحجم الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه البلد في ظل تراجع كبير على مستوى جميع قطاعات الحياة.

لا جدل في ان العراقيين يستحقون حياة افضل من التي يعيشونها الآن. مع ان الامكانات المتاحة للنمو ورفاهية العيش موجودة بشكل مثالي، وفرص التقدم والانتعاش كبيرة تكفي لعدد من السكان أضعاف عددهم الحالي، والموارد الموجودة ليست بقليلة. كل هذه العناصر التي تشكل ضمانات اقتصادية يمكن ان تجعل من العراق بلدا نموذجيا لسكانه ودولة من طراز مثالي على مستوى المنطقة، الا ان واقع الوضع العراقي يقدم صورة مغايرة، فالبلد يشكو من ثغرات ونواقص من حيث مستوى معيشة الافراد وسقف العصرنة في البلد ومستوى الكفاءة في استغلال الثروات والامكانيات الطبيعية والبشرية المتاحة، ناهيك عن مخلفات الحكم الفردي وتفشي الفساد على مستوى كبير بعد عام 2003.

خلال اكثر من اربعة عقود مضت والعراق يعيش حالة من التراجع، مفرداتها سوء الادارة وهدر الثروات وخلق الازمات السياسية والدخول في مغامرات عسكرية باهظة الثمن عالية الضريبة. علاوة على الفشل في ادارة التنوع داخل المجتمع العراقي وسوء التعامل مع القاعدة الاجتماعية- الثقافية لسكان البلد. وباعتقادي فأن العنصر الأخير، أي الفشل في ادارة التنوع الاجتماعي، كان الجذر الاعظم لمجمل الازمات التي يعاني منها البلد.

البريطانيون أسسوا المملكة العراقية (1920) التي انتهت مع اعلان الجمهورية الاولى (1958) والأخيرة تداعت عام (2003) من دون ان ترسي الاسس السليمة لادارة التنوع الاجتماعي الثقافي في البلد. دعم البريطانيون ومن بعدهم السوفيت وغيرهم من القوى العظمي حكومة بغداد ضمن سياق مخطط بناء الدولة العراقية وفق الرؤية البريطانية ومصالحها ومن ثم خضوع البلد لشرائط الحرب الباردة بين القطبين. وبعد 83 عاما شهد المشروع البريطاني (اساسا) لبناء الدولة العراقية فشلا كبيرا بعد تبلوره في صيغة نظام فردي محاصر دوليا ردا على مغامراته العسكرية الخطيرة. وتاليا جاء الامريكان قبل حوالي 19 عاما ليؤسسوا الجمهورية الثانية، وشهد مشروعهم الكثير من العثرات والكبوة انتهى بمطالبات انفعالية غير مدروسة النتائج بخروج قواتها مع حالة من النفور تجاه الوجود الامريكي في البلد. مع أنني ارى ان مجيء التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الامريكية قد أخرج العراق من وضع حرج جدا وفتح آفاقا جديدة اما دخول البلد مرحلة حبلى بالفرص الثمينة لتغيير الوضع العراقي على مستوى السلطة وادارة البلد وعلى مستوى التطلع لتحقيق النمو والرفاهية، الا ان فشل الولايات المتحدة في ضبط ايقاع التنوع الاجتماعي- الثقافي في البلد، ترك ظلالا معتمة على الوضع العراقي. وتبعات هذا الفشل لا تقع على العامل الخارجي فقط، بل الوزر الأكبر له يقع على عجز الداخل من حيث عدم استثمار الفرصة وعدم توظيف مفاعيل تصب في صالح البلد ومستقبل سكانه، وسيادة الديماغوجية في الشارع وخلف الكواليس وفي الغرف المغلقة ايضا.

المشهد الحالي، رغم الاوجه المشرقة له، لكنه مازال يدور في فلك ضيق يصعب التكهن بنجاحه في ادارة التنوع المجتمعي للعراقيين، والمنجز في هذا المجال محبط ولا يقدم بارقة أمل فيما يتصل بتحسن الوضع، والاخطاء التي ارتكبت منذ زوال النظام السابق عام 2003 كانت قاتلة كونها اعتمدت على ردة الفعل والانفعالية التي تقود الى الثأر والثأرية، من دون النظر الى الأهمية القصوى للعدالة الانتقالية من خلال تفعيل مبادئ التسامح.

ضريبة استمرار الفشل في ادارة التنوع ستكون باهظة، وآفاق الأمل حيال حدوث نقلة ايجابية في هذا المجال ماتزال ضئيلة جدا خصوصا واننا نعيش ازمة توارث العقلية التسلطية في ادارة الحكم وفقدان الرشد في تمكين المؤسسات.