يرى خبراء وناشطون في مجال التلوث البيئي في العراق، أن هناك عدة عوامل تسببت بارتفاع نسبة التلوث في البلاد ما أثر على المستوى البيئي والصحي للأفراد بشكل عام، وأن للفساد والإهمال دور أساسي في تفاقم وازدياد النسبة، محملين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والدولي مسؤولية معالجة المشكلة.
أكثر البلدان تلوثاً
وفي هذا الصدد، يقول الباحث في الشأن العراقي إياد العنزي في حديث لـ (باسنيوز): «لو قرأنا بدقة ما أصدره موقع (وورلد بوبيوليشن ريفو )الأخصائي مطلع اكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢١ من بيانات ومعلومات ميدانية تتعلق بتقييم (٩٢) دولة لتحديد الأكثر تلوثاً في العالم لرأينا أن العراق جاء في المرتبة العاشرة من حيث تلوث الهواء وانعدام الأسس الرصينة في الحفاظ على بيئة نظيفة ليصبح العراق ضمن البلدان الأكثر تلوثاً».
ويرى الباحث، أن «الوزارات المعنية غير قادرة على معالجة ظواهر التلوث وتحديدا وزارتي البيئة والصحة، وانعدام التنسيق بينهما في تنفيذ آليات تحد من كثرة العواصف الترابية التي تهب على المدن العراقية يؤدي إلى تلوث حقيقي وكبير في الهواء ويؤدي إلى الإصابة بالعديد من الأمراض التنفسية والسرطانية والتهاب الرئة».
ويتابع العناز، أن «هناك عامل آخر وهو كمية القنابل والشظايا التي ألقيت في الميدان نتيجة المعارك العسكرية والمواجهات الحربية التي اندلعت بين عامي ١٩٩١ و٢٠٠٣ والتي استخدمت فيها الأسلحة الكيماوية واليورانيوم المخضب وأدت إلى حدوث الآلاف من التشوهات الخلقية وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان لدى الأطفال»، مشيراً إلى أن «البصرة صارت تعاني من التلوث الإشعاعي بنسبة ١٣٠% وقضاء الزبير هو من أكثر الأماكن تلوثا، مع ارتفاع ملحوظ في مناطق شاسعة بمحافظة بغداد ومناطق في محافظات ذي قار وميدان وديالى».
كما أكد الباحث، أن «الميليشيات المسلحة والعصابات المنفلتة ساهمت في حرق عشرات الهكتارات الزراعية لمحصولي الحنطة والشعير في عدة محافظات في السنوات الماضية مع نفوق ٩٠% من الثروة السمكية ما ساهم في التلوث البيئي في البلاد».
ويقترح الباحث عدداً من النقاط للحد من ظاهرة التلوث بالاعتماد على أسس وثوابت رصينة بعيدة عن مظاهر الفساد الإداري والاهمال الحكومي عبر «تحديث وصيانة المنشآت والمصافي النفطية ووحدتها العاملة ومراقبة انبعاث الغازات بما يضمن عدم تأثيرها على البيئة والصحة العامة والتوسع بإنشاء محطات لمعالجة مياه المجاري وفق التعليمات البيئية والصحية ونصب منظومات تسعى لتحسين نوعية المياه والهواء، كذلك الاهتمام بصيانة محطات إنتاج الطاقة الكهربائية وإنشاء محطات جديدة ومحاولة التقليل من الاعتماد على المولدات الفردية وإجراء مسح كيمياوي للتربة العراقية ومياه الأنهر والمياه الجوفية والبحيرات، مع إنشاء مصانع متطورة لحرق الفضلات والنفايات أو إنشاء مواقع لطمرها بشكل صحي وعلمي وفني، مع تشديد الرقابة على مصادر التلوث المائي الخاص بالصرف الصحي والمبازل ومياه المصانع والمستشفيات والاهتمام بعملية تشجير المدن والساحات والطرق والحدائق العامة ومساعدة منظمات المجتمع المدني في نشر الوعي البيئي والصحي لدى أبناء الشعب وتعريفهم بأهمية الحفاظ على البيئة ضمانة لسلامتهم واستمرار حياتهم».
نقل الأمراض
وفي ظل غياب الأرقام الدقيقة عن معدلات التلوث البيئي في العراق بالنظر لافتقار الجهات المعنية إلى المعدات والخبرات اللازمة، صدر مؤخراً تقرير دولي خاص بالبيئة العراقية، أعده فريق من الباحثين الأمريكيين في «مركز دراسات الحرب» في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وتابعته (باسنيوز). وأشار التقرير إلى أن الغبار في العراق يحتوي على 37 نوعاً من المعادن ذات التأثير الخطير على الصحة العامة، إضافة إلى 147 نوعاً مختلفاً من البكتيريا والفطريات التي تساعد على نشر الأمراض.
من جانبه يقول الناشط في مجال حماية البيئة علي الكرخي في حديث لـ (باسنيوز)، إن «القضايا البيئية تكاد تغيب عن قائمة الأولويات الوطنية، فهي ليست من المسائل التي تمنح القدر الكافي من الاهتمام، ما أدى إلى تراكم المشكلات. كما أن هناك عدم اهتمام نسبة كبيرة من العراقيين بقضايا البيئة، وهذا عامل آخر يضاف إلى الكثير من العوامل الأخرى التي تسبب التلوث البيئي».
ويصف ناشطون في مجال البيئة العراق بأكثر البلدان هشاشة حيال التغيرات المناخية بعد عقود من الحروب والإهمال، فاقمت حالات التلوث إلى درجة لا يمكن إحصاؤها.
يذكر أن أول قانون صدر في العراق للمحافظة على البيئة ومنع تلوث المياه كان في عام 1929 باسم «قانون وقاية الصحة العامة» رقم 6 لسنة 1929 تلاه نظام رقم 4 وهو أكثر تفصيلا عام 1935 باسم «نظام المكاره لتنظيف الشوارع ونقل الأزبال وإزالة المكاره ومنع تلويث الأنهار».
وحسب تقرير لوزارة البيئة لعام 2014 فإنه يتولد سنويا في العراق (17,6 مليون) طن من النفايات والمخلفات البلدية كما يبلغ معدل توليد الفرد العراقي من النفايات ما بين (0,75 – 1,1) كغ/يوم.
وترمى أغلب النفايات والمخلفات المنزلية والتجارية والنفايات الطبية للعيادات الصغيرة ومخلفات البناء والهدم في الشوارع والأزقة والساحات والأراضي.