كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
مصطفى فحص 23/08/2021

إيران .. رهاب الصورة

أثارت صورة ثنائية جمعت سفيري بريطانيا وروسيا في طهران حفيظة الخارجية الإيرانية التي استدعت السفير الروسي لديها احتجاجا على ما وصفته بالتصرف غير اللائق، وغير اللائق بالنسبة لنظام طهران في هذه الصورة أنها استعادة لمرحلة استعمارية كانت روسيا القيصرية وبعدها السوفياتية مع بريطانيا العظمى تتقاسم النفوذ في إيران، لكن الملفت برد الفعل الإيراني أنه تجاوز الموقف من عدم لياقة السفيرين، وكشف عن ريبة إيرانية مما تعنيه هذه الصورة في الذاكرة السياسية الإيرانية.

فالريبة من الصورة دفعت وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى استدعاء التاريخ مباشرة والرد على السفيرين بقوله "لست في حاجة لأذكّر الجميع بأن أغسطس 2021 لا يشبه في أي شيء أغسطس 1941 ولا ديسمبر 1943".

صورة ثنائية أثارت حفيظة الخارجية الإيرانية | المصدر: @RusEmbIran

وكأن تغريدة ظريف أشبه بقراءة لحاضر إيراني يمكن إسقاطه على الماضي، ففي الذاكرة الإيرانية الورمة تشكل الصورة الأولى (1943) أوضح تعبير على أن الدول الكبرى تمتلك قرار إيران الداخلي وتحدد خياراتها الخارجية، وهي التي تبدل الحكام وتغير توجهات الدولة، وهذا ما دفع ظريف للاستعجال في دحض ما قد تفسره الصورة الثانية (2021) لكن فشل، ودفعه انفعاله إلى إسقاط آخر على الصورة الثانية بقوله إن "الشعب الإيراني أظهر أن مصيره لا يمكن أبدا أن يرتهن لقرارات يتم اتخاذها في سفارات أجنبية أو من قوى أجنبية".

موقف ظريف يعبر عن عمق الأزمة التي يمر بها النظام، وما يمكن أن تحمله المرحلة الانتقالية من تداعيات داخلية، والثمن الذي ممكن أن تدفعه الجمهورية الإسلامية نتيجة خياراتها الخارجية، الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والمعيشية المتقطعة في إيران منذ الانتفاضة الخضراء وصولا إلى انتفاضة الجياع، وارتفاع الحساسيات الإثنية وصراعات المركز والأطراف، وقلق جيوسياسي يسيطر على سكان الهضبة الإيرانية منذ تأسيس السلطنة الصفوية حتى النظام الإسلامي، دفعوا مؤسسة الحكم إلى استشعار الخطر على استقرار النظام ومستقبله.

لعل حالة التفكك العرقي وأزمة العلاقة مع الإقليم، دفعت بالمسؤولين الإيرانيين إلى الانتباه بأن السفيرين اللذين ظهرا في الصورة تتحمل بلادهما المسؤولية عن تقسيم إيران، تقسيم حصل ما بين سقوط الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الثانية خصوصا اتفاقية 1907 بين لندن وبطرسبرغ التي حددا فيها مناطق نفوذهما، فكان الشمال منطقة نفوذ روسية متصلة بإمارات ما وراء القوقاز، والجنوب مناطق نفوذ بريطانية متصلة بالعراق وإمارات الخليج العربي.

هذه الاتفاقية مهدت لتدخل عسكري روسي مباشر في الداخل الإيراني وصل إلى مستوى قصف البرلمان الإيراني في طهران إبان الثورة الدستورية سنة 1908 وقصف مرقد الإمام الرضا في مشهد سنة 1911، كما عاد الحليف الروسي وذكر الإيرانيين من خلال هذه الصورة أن جوزيف ستالين أول من خطط لتقسيم إيران ونفذ مشروعه عندما رفض البرلمان الإيراني إعطاء امتيازات نفطية للشركات السوفياتية وساعد الكورد على إعلان أول جمهورية مستقلة لهم في مهاباد إضافة إلى جمهورية أذربيجان الشعبية 1945 - 1946.

بالعودة إلى الصورة الثنائية وأصلها ثلاثي تاريخيا، إذ يغيب عنها السفير الأميركي، بسبب العلاقة المقطوعة بين بلاده وإيران، فلو كان موجودا لجلس على الكرسي الذي جلس عليه الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت عندما التقطت الصورة في قمة طهران سنة 1943 وجمعت أيضا الديكتاتور السوفياتي جوزيف ستالين ورئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرتشل.

لو كان السفير الأميركي موجودا لجلس على الكرسي الذي جلس عليه روزفلت عندما التقطت سنة 1943

لو كان السفير الأميركي موجودا لجلس على الكرسي الذي جلس عليه روزفلت عندما التقطت سنة 1943

فالكرسي الفارغ على درج السفارة الروسية المخصص لواشنطن، يمكن أن تفسره طهران بأن هذه الدول تتهيأ لاستعادة موقعها على الجغرافيا الإيرانية، وبأن الغياب الشكلي لواشنطن يغطيه حضورها الضاغط في ملفات إيران الإقليمية والتفاهم المستمر مع بريطانيا في سياستها الخارجية التي دفعت طهران إلى هذه القراءة السلبية للصورة، وهي لم تنس حتى الآن التدخل الأميركي المباشر ضد ثورة مصدق 1953 التي لم تقل خطورة عن تدخلات موسكو ولندن.

 عود على بدء، إلى رهاب الصورة التي كشفت عن حجم اهتراء النظام الذي استفزته صورة كشفت عن صوّرية حجمه وقوته.