كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
ماجد ع محمد 08/08/2021

الدكتور محمود والسيّد كلسي

يبدو أن الدكتور محمود عباس مصر على المضي قدماً في الدرب الذي اختاره، أي الاِستمرار فيما هو مقتنع به ويعمل عليه من خلال الكتابة، وذلك فيما يتعلق بتصوره أنه ليس مستحيلاً بأن نجعل مِن المطوسن متواضعاً ومن المتعاِلم عالماً، وأنه بالإمكان جعل الفيلق المتخندق في صومعته الحزبية أن يتخلص من عقلية التحجر والاستفراد والاستحواذ، إضافةً إلى إمكانية تطهيره من عنجهيته المبنية على أهرامات الأوهام التي بنيت على رمال الأيديولوجيا، وذلك حين يقول في منشورٍ له: "سوف نستمر في طَرق أبواب الأدمغة المؤدلجة إلى أن تولجها نور التفكير الحر"، مع أن إيصال غيث التفكير إلى الأعماق الصلدة بحاجة إلى منافذ للتسرب أو إلى تفجير البنية التحتية، وإلاَّ فإننا قد نكون أمام إنزلاق المطر على السطح الصخري من دون القدرة على الإيغال نحو الأعماق مهما كانت الأمطار غزيرة في تلك البقعة.

وحقيقةً أحسد الدكتور محمود على حيويته وصبره ومثابرته وإصراره في الوصول إلى ما يريد ممن لم يُظهروا له يوماً منذ أن بدأ الدكتور بتنويرهم وإرشادهم ورسم ملامح المستقبل لهم بأنهم حقاً يريدون التغيير الذي يرمي إليه الدكتور ولو بنسة 10%، والدكتور محمود في محاولاته الدؤوبة منذ تشكيل الإدارة الذاتية في الجزيرة يتمثل تماماً رأيَ أحد الكتاب الغربيين ألا وهو بأن "الجاهل ينبغي مساعدته ليتخلص من جهله وليس معاقبته"! ولكن لنفترض جدلاً بأن الفئة التي يستهدفها الدكتور محمود تتمرغ في كهوف الجهل السياسي وفوق ذلك تعتبر نفسها عالمة وصحيحة مئة بالمئة، فهل وقتها ستفيد محاولات الدكتور بشيء طالما أن المتّهم بالسقم لا يعترف أصلاً بوجود أيّة علةٍ في بدنه؟

وكغيري أتابع ما يبذله الدكتور محمود عباس من جهد كتابي في مخاطبة الإدارة الذاتية ومحاولاته المستمرة لتعبيد السكة أمامها من خلال شرح الطرائق والوسائل التي يشير إليها في مقالاته المتلاحقة عساها تفيدهم، وعساهم يستعينوا بها حقاً لتحسين واقعهم الذي غدا محط استهجان ليس لدى الغرماء والأعداء فحسب، إنما وحتى الأصدقاء والمقربون منها باتت تُضايقهم تصرفاتها المتكررة، والتي تدل على أن الإدارة لا قدرة لها على تصحيح المسار من كثافة المنعرجات، أو لربما لا رغبة لديها للاستفادة من تجارب غيرها أو حتى تجاربها هي نفسها.

ولا أخفي القارئ بأنني حيال الكم الهائل من الكتابات التي يخاطب فيها الدكتور محمود عباس مسؤولي الإدارة الذاتية الظاهرين والمخفيين يخطر على بالي موقف قيادي سابق في حزب اتحاد الشعب الكوردي الذي وجه كلامه يوماً لقاطع طريق يدعى محمد كلسي، وذلك من دون معرفة ذلك السياسي كنه الشخص الذي يتوجه إليه بخطابه، والقصة أننا كنا يوماً في منزل الفنان الراحل عبدالرحمن عمر (بافى صلاح) في حلب عقب انتفاضة الكورد في 2004 بمدة من الزمن، وكان من ضمن ضيوفه الذين سبقونا إلى المنزل شقيق بافى صلاح يرافقه آنذاك شخصٌ يدعى "كلسي" وهو كان يوماً ما قاطع طريق في عصابةٍ يتزعمها شخص يدعى محمد سيدو الملقب بـ:"ملازم"، وملازم كان من كبار قطاع الطرق في منطقة عفرين ابان حكم النظام، وأذكر أنه لم يمضي على مكوثنا في بيت أبو صلاح طويلاً حتى جاء إلى زيارته قيادي من الصف الأول لحزب اتحاد الشعب الكوردي الذي صار آزادي لاحقاً ومن ثم اندمج في البارتي، وذلك القيادي لا يعرف أي شيء عن كلسي، لا عن عمله، ولا عن هويته، ولا طبيعة تفكيره أو مستواه الذهني أو المعرفي، ولأنه يجهل تماماً ثقافة كلسي والقدرات العقلية له، لذا رأيته قد دخل في نقاشٍ جَدي تاريخي طويل معه بعد أن سأله كلسي سؤال خطر على باله تلك الهنيهة ونسي السؤال في لحظتها، وانتبهت بأن السيد كلسي لم يهتم إطلاقاً بالجواب على سؤاله وربما نسي لماذا سأل، لذا راح الرجل منصرفاً باهتمامه وانتباهه إلى مكانٍ آخر، وظهر جلياً بأنه لا يستمع أصلاً لحديث ذلك القيادي الموجه إليه بشكل خاص، عندها شعرتُ بنوع من الحرج على الموقف، وتضايقت بيني وبين نفسي من تصرف كلسي، ولكني بنفس الوقت استهجنت عدم قدرة ذلك القيادي على قراءة الوجوه وما تخبئه وما تستبطنه، باعتبار أن التسلح بالعلوم النفسية تساعد الشخص على اكتشاف معالم الآخرين في أقصر وقتٍ ممكن، وبالتالي التعامل معهم بالطريقة المناسبة لهم إن كانوا طبيعيين أم غير ذلك، لذا أومأتُ إليه بألا يُتعب نفسه مع السيد كلسي لأنه أصلاً لا يستمع إليه، وثانياً حتى إذا استمع فهو على الأغلب لن يفقه أي شيء ما يقوله له، عندها انتبه ذلك القيادي وتمعن في وجه كلسي وعاين حركات جسده، وأعتقد بأنه وقتها أدرك بأنه كان يتكلم مع الجهة الخاطئة؛ وبعيداً عن إمكانيات كلسي الذهنية ومكانته وموقعه الاجتماعي، فمع كل تقديرنا للجهود التي يبذلها الدكتور محمود عباس من خلال كتاباته التنويرية والموجهة خصيصاً للإدارة الذاتية ودهاقناتها ومن يقفون وراءها ويديرونها من خلف الكواليس، واضعاً خبرته وإمكانياته وعلاقاته في خدمة  تلك الإدارة وكل همه أن يساعدهم للخروج من المآزق والحُفر الكبيرة التي يقعون فيها، وذلك رغم معرفته التامة بمجمل عيوب تلك الإدارة وبدائيتهم السياسية، ومن باب الحرص والتقدير والاحترام لجهوده المبذولة، نتمنى بأن لا يأتي ذلك اليوم الذي يكتشف فيه بأنه كان يخاطب الطرف الخاطئ الذي أصلاً لا يستمع إلى كل ما يقال له، ولا يقرأ كل ما يكتبه الآخرون عنه ولأجله، كما هو حال السيّد كلسي بالضبط.