كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
بكر صدقي 06/03/2021

في الإرهاب والحرب عليه

فيلم unthinkable من إخراج الأسترالي غريغور جوردان وتمثيل صموئيل إل جاكسون ومايكل شين وكاري آن موس، وإنتاج العام 2010، يختلف عن أمثاله من الأفلام التي تناولت موضوع الإرهاب والحرب عليه، في أنه لا يقسم الأبطال إلى أخيار (أجهزة المخابرات الأمريكية) وأشرار (إرهابيين، وغالباً إسلاميين( بل لدينا، كما هو الأمر في الحياة الواقعية، جهتان يمكن وصفهما بالشر من غير أن يكون أي منهما شراً صافياً بلا استطرادات. أكثر من ذلك لا يتعامل الفيلم مع موضوع الإرهاب خارج السياق السياسي، كما لا يعطي أجوبة نهائية على المسائل التي يطرحها الإرهاب والحرب عليه، بل يحث المشاهد على التفكير فيها وفي غيرها من المشكلات الأخلاقية المرتبطة بها.
لا بد، قبل الدخول في تحليل الفيلم، من إعطاء عرض موجز لقصته. ستيفن آرثر يونغر مواطن أميركي اعتنق الإسلام وأسمى نفسه بـ«يوسف» يقوم بزرع ثلاث قنابل نووية في أماكن مختلفة من الولايات المتحدة، ومن شأن تفجيرها أن يؤدي إلى مقتل ملايين الأمريكيين. القنابل موصولة بأجهزة توقيت، وستنفجر معاً بعد أربعة أيام من نقطة الصفر. ويحرص «يوسف» على أن تلقي أجهزة المخابرات القبض عليه حتى يصبح في موقع يتيح له التفاوض معهم. وهكذا تبدأ رحلة «ضغط» مهولة على يوسف ليعترف بالنقاط الثلاث التي خبأ فيها قنابله المبيدة، في حين أنه يستثمر صموده الأسطوري في الضغط عليهم. فيتحول الزمن إلى سلاح في يد يوسف، كلما اقترب موعد تفجير القنابل كلما ضاق هامش المناورة أمام المحققين. وإذ لا تجدي مع يوسف وسائل التعذيب «التقليدية» التي مارستها المخابرات المركزية الأمريكية في كل من غوانتانامو وأبو غريب، يستعينون بجلاد محترف لا يعترف بأي حدود للتعذيب.
مطالب يوسف واضحة وبسيطة، ولا يصعب تحقيقها، لكن عنجهية القوة الأمريكية لا تسمح بمجرد التفاوض على تلك المطالب. يطالب يوسف بأن تكف الحكومات الأمريكية عن دعم الأنظمة الدكتاتورية في الشرق الأوسط وسحب قواتها وقواعدها العسكرية من تلك المنطقة. ومع تقدم التعذيب يخفض يوسف مطالبه إلى مجرد الحصول على وعد من الرئيس الأمريكي على وسائل الإعلام بتنفيذها. ومن أجل إيصال هذا المطلب إلى الرئيس يطلب يوسف تصويره في شريط فيديو وهو يعلن تلك المطالب وإيصاله إلى الرئيس. لكن قرار الضابط المسؤول هو عدم إقلاق راحة الرئيس بمطالب لا قيمة لها.

يدور صراع جانبي بين الجلاد المحترف هاري (صموئيل جاكسون) والمحققة هيلين برودي (كاري آن موس) على المدى المسموح للتعذيب، فتمثل برودي الوجه «الحضاري» إذا جاز التعبير في محاربة الإرهاب، في حين يمثل هاري الوجه البربري الذي لا يعترف بأي حدود، مبرراً ذلك بالغاية «النبيلة» أي إنقاذ ملايين الأرواح البريئة. ولكن لا وسائل برودي الناعمة ولا همجية هاري يجديان نفعاً مع يوسف الذي لا يملك غير سلاح وحيد في مواجهة القوى الغاشمة، هو جسده بالذات.
كلما ضاق هامش الوقت، تفاقم شعور جهاز التحقيق بالعجز، وتراجعت اعتراضات الشرطية المعتدلة أمام قوة حجة الوحش هاري. وإذ يفشل هذا في إرغام يوسف على الكلام برغم استخدامه كل فنون التعذيب التي يمكن تصورها، يلجأ إلى تلك التي «لا يمكن تصورها» أي الضغط على يوسف، لا بإيقاع الألم والأذى بجسده كما حدث إلى تلك اللحظة، بل من خلال تهديده بمن يحب: زوجته وطفليه. أي سلوك مسلك الإرهابيين نفسه. وإذا كان يوسف يملك جسده ويستطيع الصمود مهما بلغت وحشية التنكيل به، فهو لا يملك التصرف بمصير زوجته وطفليه، فينهار في اللحظة الأخيرة، بعدما قتل الجلاد زوجته أمام عينيه، وأوهمه بقتل الطفلين أيضاً، فيعترف بمكان القنابل الثلاث.
للوهلة الأولى يبدو أن الأسلوب الهمجي في التعذيب قد أعطى ثماره وتم إنقاذ ملايين الأرواح. لكن الحقيقة ليست كذلك، وهو ما تكشفه للمشاهد نهاية الفيلم.
بحبكته القوية، وحواراته الغنية، والأداء التمثيلي الممتاز لممثليه الرئيسيين، يكشف الفيلم القصة الواقعية لما سمي بالحرب على الإرهاب التي انطلقت منذ تسعينيات القرن الماضي واحتلت أجندة العالم بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001. إنها حرب غير متكافئة بين أقوى الجيوش في العالم المزودة بأحدث التكنولوجيات، وبين حفنات من الإرهابيين لا يمكن مقارنة قدرتهم التدميرية بحال بقدرة تلك الجيوش وأجهزة الاستخبارات. وبالأرقام فإن أعداد ضحايا العمليات الإرهابية، خلال السنوات العشرين الماضية في جميع بلدان العالم، لا تساوي إلا نسبة ضئيلة من أعداد من قضوا في حوادث السير في بلد واحد خلال سنة واحدة. بالمقابل فإن عدد ضحايا الحرب على الإرهاب يفوق أعداد جميع ضحايا العمليات الإرهابية بأضعاف، حتى بدون حسبان الحساب لـ«الآثار الجانبية» للحرب المذكورة من تضييق على الحريات العامة وإساءة معاملة مدنيين من جنسيات معينة في المطارات ونقاط العبور، ونشر أجواء التشكك والكراهية العنصرية، بل بلغ الأمر بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أن حظر السفر إلى الولايات المتحدة من سبع دول إسلامية!
ما هو أكثر إثارة للحنق أن هذه الحرب غير المتكافئة واللانهائية وغير القابلة للكسب، يتم تقديمها على أنها حرب «دفاعية» أو وقائية! «نحن نتعرض لهجوم الإرهابيين، ونعمل على حماية مواطنينا المدنيين الأبرياء من إجرام المنظمات الإرهابية» هذا هو لسان حال أقوياء العالم الذين لا يبدون أي استعداد للتفاوض مع إرهابيين حتى لو تعلق الأمر بإنقاذ حياة ملايين «المواطنين الأبرياء» المشار إليهم. وحتى لو كان التفاوض على مطالب سياسية معقولة وعادلة ومن شأنها إنقاذ أرواح أولئك الأبرياء فعلاً. فالمبدأ لدى القوي المتجبر هو عدم تقديم أي تنازل للإرهابيين مهما كان الثمن.
في مقالته المهمة «في العنف» المنشورة في موقع الجمهورية* يطلق ياسين الحاج صالح اسم «الحرب التعذيبية» على الحرب على الإرهاب. فيلم ما لا يمكن تصوره يجسد ذلك في صورة سينمائية، تحتل فيه مشاهد التعذيب الوحشي معظم وقت عرضه.