كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
يحيى الكبيسي 29/01/2021

العراق: فرسان حقوق الإنسان المزيّفين

في رواية دون كيشوت لسرفانتس، دار حوار بين دون كيشوت وتابعه سانشو، يقول فيه الأول للثاني: ليس مهمة الفرسان اكتشاف ما إذا كان الأشخاصُ مقيّدين بسبب آثامهم، بل مهمتهم هي «مساعدتهم كأشخاص محتاجين، وأن عيون الفرسان يجب أن تنصبّ على معاناتهم، وليس على آثامهم». وفق هذا المنطق يرى دون كيشوت نفسه ملزما أخلاقيا بخوض معركة «عادلة ونبيلة» مع «عمالقة البرية الثلاثين» الذين يقفون أمامه، وعندما يخبره سانشو بأن هؤلاء العمالقة المتوهَّمين ليسوا سوى «طواحين هواء» يرد عليه دون كيشوت: «من الواضح أنك لا تعرف الكثير عن المغامرات»!

ا أجد أفضل من دون كيشوت وطواحين الهواء مدخلا للحديث عن فرسان حقوق الإنسان الجدد الذين ظهروا فجأة في العراق، فسارعوا إلى تشكيل لجنة برلمانية خاصة لمراقبة أعمال لجنة الأمر الديواني رقم 29 ،الذي أصدره رئيس مجلس الوزراء في 27 آب/ أغسطس ،» 2020 ؛ والذي يقضي بتشكيل «لجنة دائمة للتحقيق في قضايا الفساد والجرائم الهامة». وقد أصدرت لجنة المراقبة والمتابعة هذه تقريرها حول الموقوفين في قضايا فساد، والذي انتهى إلى أن «الاعتقالات قد تمت بطريقة مخالفة للقانون وفي سجن مخالف لأحكام المادة (19/ 12/ ب) من الدستور» والى أن بعض المعتقلين «لم يعرضوا على قاضي التحقيق رغم مضي عشرين يوما على اعتقالهم، وهذا يخالف احكام المادة (19/ 13) من الدستور» وأنهم تعرضوا للتعذيب أثناء التوقيف، و أنه لم يسمح لهم بتوكيل محامين عنهم إلا بعد تدوين أقوالهم وهذا يخالف أحكام المادة 19/ رابعا من الدستور، وأخيرا أن الهيئة القضائية انتقلت إلى أماكن خاصة (غير قانونية) لإجراء التحقيق.

المفارقة الكوميدية هنا أن هذه النتائج لم تأت بجديد؛ لأن الجميع يعلم أن ما ذكرته اللجنة هو سلوك منهجي للاعتقالات والمحاكمات في العراق، طوال السنوات الست عشرة الماضية ومنذ إقرار الدستور العراقي، والتقارير المتعلقة بحقوق الإنسان تضج بهذه الحقائق، مع ذلك لم نجد يوما مجلس النواب مهتما بهذا النوع من التقارير! ولم نشاهد هؤلاء الفرسان الدونكيشوتيين يتبارون يوما للدفاع عن مثل هذه القضايا، بل كانوا دائما يشككون في أي تقرير دولي حول هذه الانتهاكات!

الاعتقالات غير قانونية في سجون غير قانونية هي ممارسة منهجية في العراق وقد تحدثت عنها وزارة حقوق الإنسان مرارا، قبل أن تُلغى هذه الوزارة، و كانت دائما ما تشير إلى عجزها عن غلق هذه السجون غير القانونية بسبب تشبث الحكومة بها. ولايزال سجن المثنى الشهير، الذي لا يبعد عن مجلس النواب أكثر من بضعة مئات من الأمتار، يستقبل المعتقلين حتى اللحظة، والجميع في السلطة يعرف هذه الحقيقة ولا أحد تذكر، يوما، أن هذه السجون مخالفة للدستور والقانون!

والجميع يعلم أيضا بموضوع عدم عرض المعتقلين على قاضي التحقيق، وهناك معتقلون يقبعون في السجن منذ سنوات، وليس عشرين يوما، لم يعرضوا على قاضي تحقيق، ولا يعرفون أصلا طبيعة التهم المنسوبة اليهم!
وفيما يتعلق بالتعذيب، الجميع، أيضا، يعلم أن التعذيب سلوك منهجي في سجون العراق وفي التحقيقات، وأن القضاء نفسه اعتمد ويعتمدُ، في أحكامه التي قد تصل إلى الإعدام، على اعترافات انتُزعت بالتعذيب والإكراه، وصولا إلى الاغتصاب، وفي إحدى المحاكمات، التي ثبتتها تقارير الأمم المتحدة، رفض القاضي رواية 19 متهما قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب خلال الاستجواب، وقال آخرون بأنهم أجبروا على الاعتراف أو توقيع اعترافات مزورة، وقد حاول أحد المتهمين أن يبين للقاضي آثار التعذيب لكن القاضي رفض التحقيق في الادعاء! وعندما طعن المتهم بصحة التوقيع على اعترافه المزعوم قام القاضي بتوبيخه مدعيا بأن «شرف المهنة» يمنع المحققين من تزوير هكذا وثيقة!

وفيما يتعلق بمسألة عدم السماح للمتهمين بتوكيل محامين عنهم إلا بعد تدوين أقوالهم، وهو ما ذكرت اللجنة أنه مخالف للدستور، فهو أمر يعرفه أيضا مجلس النواب، ففي تقرير لبعثة الأمم المتحدة في العراق الصادر في كانون الثاني/ يناير 2020، والذي استند إلى مراقبةٍ مستقلةٍ لـ 794 محاكمة لأفرادٍ متهمين بالانتماء لداعش، انتهى التقرير إلى وجود «انتهاكات لمعايير المحاكمة العادلة» عرضت المتهمين إلى «غبن كبير». سواء من خلال عدم فعالية التمثيل القانوني، والافتقار للوقت الكافي والتسهيلات اللازمة للدفاع لإعداد دفاعه (في 21 أيار/ مايو 2019، وقد راقبت يونامي جلسة محاكمة في محكمة الكرخ ببغداد، حيث حكم على المتهم بالإعدام. وعينت المحكمة محامي الدفاع في يوم المحاكمة. ولم يقابل موكله أو يتمكن من الوصول إلى ملفات المحكمة قبل الجلسة وظل صامتاً أثناء المحاكمة.

أما انتقال الهيئة القضائية إلى أماكن خاصة (غير قانونية) لإجراء التحقيق. فقد نسيت اللجنة، كما يبدو، ان هذا الإجراء يكاد يكون منهجيا، بدليل وجود عشرات السجون غير القانونية في العراق التي تجري هذه التحقيقات.
بعد ستة عشر عاما من الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان في العراق، و مئات التقارير المتعلقة بهذه الانتهاكات الموثقة دوليا، تكتشف اللجنة النيابية، فجأة ،أن ثمة انتهاكات لحقوق الإنسان في العراق، وأن هذه الانتهاكات مخالفة للدستور، وأنه لا بد من تصحيح هذه الأوضاع، ليس للمعتقلين والسجناء عموما بالتأكيد، بل الأمر يتعلق بالموقوفين حديثا والبالغ عددهم «26» موقوفا حصرا والمتهمين بقضايا فساد كبرى!

متى ما أدركت الطبقة السياسية في العراق أن حقوق الإنسان هي حقوق أصيلة وغير قابلة للتحويلInalienable، وأنّ بعضها يتوقف على بعضها الآخرInterdependent، وأنها غير قابلة للتجزيء، ومتساوية وغير تمييزية non- discriminatory، وأنها إلزامية بمجموعها بوصفها وحدة متكاملة، يمكننا حينها أن نطلق تقارير عن حقوق الإنسان ونرفعها إلى ممثلي الشعب ليدافعوا عن الضحايا، أما اللجان المسيسة التي تتشكل دون أن يكون أعضاؤها مؤمنين بالمبادئ التي ذكرناها، ويتعاملون معها بانتقائية، فهي بطبيعة الحال لجان لا تسعى إلى تكريس حقوق الإنسان، بقدر ما تعكس مواقف سياسية غير أخلاقية دفاعا عن مصالحها، وتمارس الابتزاز السياسي لا أكثر!