كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
شاهين أحمد 20/11/2020

القيادي الكوردي في سوريا بين متطلبات السياسة وعواطف الفيسبوكيين

سبق لنا أن تناولنا هذا الموضوع – محددات الأيديولوجيا ومتطلبات السياسة - الذي بات لغطاً لدى البعض من أبناء شعبنا الكوردي ، وخاصة في أوساط واسعة من الشباب والنشطاء على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة ، هذه الشريحة الهامة التي نعلق عليها الآمال في مستقبل مجتمعنا ، والتي تركت غالبيتها الوطن واستقرت في المهاجر نتيجة ظروف الحرب المفروضة على الشعب السوري منذ قرابة عقد كامل ، وما رافقها من غياب تام للخدمات وفرص العمل والتعليم والزواج ، وباتت تلك الشريحة اليوم أمام تحديات كبيرة وكثيرة جعلت قسماً كبيراً منها أمام إشكالية التمييز بين حقلي الأيديولوجيا والسياسة ، مما يتطلب منا جميعاً التوضيح والشرح بكل هدوء ومسؤولية ،وبشكل علمي وواقعي ، مع مراعاة البيئة والتعقيدات التي تحيط بنا وتمر بها منطقتنا وحركتنا التحررية الكوردية في سوريا ، وكذلك ماتتطلبه أصول العمل والشراكة مع ممثلي مكونات الشعب السوري المختلفة آخذين بعين الاعتبار حجم ودور الأدوات واللاعبين المتدخلين في ساحتنا السورية بشكل عام والكوردية السورية بصورة خاصة . ربما كانت مشاركة الاستاذ عبد الله كدو عضو الهيئة السياسية في الائتلاف السوري المعارض عن الكتلة الكوردية الممثلة للمجلس الوطني الكوردي ENKS مع الوفد الزائر لمناطق عفرين وإعزاز والباب ، وما رافقت هذه الزيارة من ردود فعل متباينة من الشارع الكوردي الفيسبوكي ، غلبت على هذه الردود الجانب السلبي ، ولم تخلو تلك الصفحات التي تناولت الزيارة من بعض الألفاظ  النابية والكلمات البذيئة التي لاتتناسب وأصول الكتابة وآدابها ، الأمر الذي دفعني لكتابة هذه المساهمة المتواضعة .

بداية من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المجلس الوطني الكوردي في سوريا ENKS هو جزء من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ، وذلك بموجب وثيقة سياسية مكتوبة بتاريخ الـ 27 من شهر آب  2013 ويشارك المجلس في اللجان المتفرعة عن الائتلاف ، وكذلك الهيئة العليا للمفاوضات ، والوفد المفاوض ومرجعيته من المعارضة ، وكذلك يُمثل المجلس في اللجنة الدستورية من خلال ثمثيله في الائتلاف ، ولكن المجلس لايشارك لا في الحكومة المؤقتة ولا في الفصائل العسكرية التي تتبع الائتلاف .

نعلم جميعاً بأن حركتنا التحررية الكوردية في سوريا وخاصة في السنوات الأخيرة بعد انطلاقة ثورات الربيع في المنطقة ، تمر بظروف جديدة في علاقاتها وتحالفاتها المحلية والإقليمية والدولية، تفرض عليها أحيانا اتخاذ مواقف سياسية قد لاتنسجم تماماً من الناحية الشكلية مع مسيرتها التاريخية طوال أكثر من نصف قرن ، وهذه الظروف تخلق أحياناً نوعاً من الاختلاف أو حتى الخلاف داخل مؤسساتها بسبب التباينات الفكرية والأيديولوجية، ولا يشكل هذا التباين مؤشراً سلبيا بالضرورة ، لكن تكرراه في أكثر من موقف ومحطة ، وبين أكثر من شخص يعني بالضرورة التوقف عند هذه الظاهرة ، وبالتالي إعادة النظر في الضوابط النظرية، وكذلك القيم والمحددات الأيديولوجية ، والمعايير المعتمدة ، لتحديد المساحات ورسم المسارات التي تتوافق مع توجهات القيادة السياسية المكلفة بالتحرك، كي لايختلط الأمر بين الأيديولوجيا والسياسة ، وبين الفكر والسلوك. مثلاً الشعب الكوردي ، الأمة الكوردية ، كوردستان سوريا، حق الشعب الكوردي في تقرير مصيره بنفسه ، عدالة القضية الكوردية ، الأعداء وعدم الاعتماد أوحتى التعامل معهم ، الخصوم ، الاصدقاء ....إلخ ،هي مفردات أيديولوجية .

أما السياسة فهي ترسانة متحولة من المفاهيم والنظريات والتصورات التي يعالجها السياسي في مختبراته ، ومن ثم يقوم بتنظيمها وترتيبها وفق مقتضيات المرحلة والمشروع للوصول إلى مجموعة من الأساليب والطرق والخيارات واتخاذ جملة من الإجراءات الضرورية لاتخاذ القرارات المناسبة من أجل تحقيق ماذكر من مفردات في الحقل الأيديولوجي . إذاً السياسة هي جملة إجراءات وسلوكيات وظيفية متغيرة بشكل دائم وسط عالم يتزاحم فيها المعارف والأفكار والأحكام والمصالح واللاعبين . والسياسي الناجح يقوم بتجميع مايحتاجه من الترسانة المذكورة وتنظيمها في سياقات منطقية متماسكة ، ويختار نمط سلوكي معين بناءً على وعي ومعرفة ودراية ، ويربط  دائماً بين التحرك والهدف ، وهنا يمكن للسياسي الواقعي أن يقوم بإعادة صياغة وقراءة مفردات الحقل الأيديولوجي بما يتناسب مع الواقع والظروف والإمكانات ، وذلك من خلال برنامج عملي مجدول زمنياً وقابل للتنفيذ مع مراعاة مستويات الوعي المجتمعي والحاضنة الحاملة للمشروع ، وسبل الانتقال من الخاص إلى العام وكيفية تأمين المصالح الخاصة لمكونه في إطار المشروع العام الشامل . وعلينا أن ندرك تماماً بأن الجماعة السياسية المنظمة ( الحزب أو المجلس أو الإطار ) عبارة عن أدوات سياسية – تنظيمية مؤقتة ومتغيرة باستمرار لتنفيذ ما هو أيديولوجي . وبالتالي من ضمن مهام السياسيين تهيئة الأجواء الملائمة في كافة المراحل والمواقع ، وفشل المنظومة السياسية في تأمين هامش مريح من التحرك لسياسيها قد يؤدي إلى خلق حالة من الشك والترهل والارتباك ، والأخطر هو لجوء المنظومة السياسية إلى اعتماد إجراءات من شأنها جرها نحو الاستبداد وتقييد حركة المكلف بالمهام ، ويجب ألا تتغاضى المنظومة  السياسية عن الحقوق الفردية للمكلف كي لا تخسر حاضنتها وتفشل كوادرها في تحقيق أهدافها المنشودة . وقد يستغرب القارىء البسيط أو السياسي المبتدىء من هذه الحقيقة ،لأن الشعار الذي يرفعه السياسي قد يكون كاذباً ومناقضاً للممارسة في بعض الأحيان ، والأمثلة كثيرة في هذا الجانب وخاصة في منطقتنا ، حيث نجد أن غالبية الأنظمة والأدوات التي  رفعت شعار الحرية والديمقراطية والشراكة مارست الاستبداد والإقصاء والشمولية . يجب أن يعلم القيادي الكوردي جيداً بأن دوره يتجسد في العمل على توفير المستلزمات وخلق المناخات واستغلال الظروف ، وتقدير اللحظة التي يمكن فيها إعادة صياغة شروط جديدة لتحقيق ماهو إيديولوجي ، وأن ساحة صراع الأيديولوجيات هي حقول السياسة , ولاعبها هو السياسي المكلف بالمهمة ، ونجاحها مرتبط بمدى نجاح المنظومة السياسية التي تعمل على تحقيق وتنفيذ محدداتها ، ويتوقف كل ذلك على مدى قدرة تلك المنظومة السياسية على فرز القيادات التي تمتلك الإمكانات ، وإعادة تنظيم الأفكار لإنتاج نمط  معين ومناسب من السياسيين القادرين على تحقيق الغايات والأهداف المحددة مسبقاً في حقلها الأيديولوجي . لذلك المنظومات السياسية الكوردية مطالبة اليوم بإدراك أهمية ماذكر أعلاه من خلال إعادة النظر في المفردات الأيديولوجية وجدولتها دون المساس بالجوهر ، ومن ثم وضع الخطط والبرامج اللازمة لتحقيق تلك المحددات أو الثوابت التي تم وضعها في حفول الأيديولوجية وترك الحرية للأفراد المكلفين بالعمل وفق النمط الذي يتناسب مع كل موقع ومرحلة ، وعدم الانجرار خلف العواطف والشتائم التي تتزاحم على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة ، لأن تقييد حركة الفرد أو المنظومة السياسية المكلفة بتحقيق كل أو جزء من المحددات الأيديولوجيا يعني الحكم المسبق بالفشل على المكلف بالتحرك . بإختصار يعني أن يتم محاسبة المكلفين بالعمل على أساس النتائج وبشكل دوري ، وضمن مدد زمنية محددة . ومن جهة أخرى إعطاء الحرية للسياسيين المكلفين بالتحرك ، لاتعني أبداً الخروج عن حدود الأهداف المرسومة ، ولكنها ضرورية لإعطاء السياسي هامش مناسب من المرونة ، ومساحة كافية للتحرك وفق النمط الذي يراه مناسباً لتحقيق الغاية . وسبق أن أشرنا أعلاه بأن الالتزام بالأيديولوجيا وفق مفردات وقوالب المراحل التاريخية التي خلت هو نوع من السذاجة والخرافة ، لأن هناك أساليب ومصطلحات عفى عليها الزمن وأكل عليها الدهر وشرب ، لذلك علينا أن نختار أساليبنا ومصطلحاتنا بوعي ودراسة ، وأن لانقيد أنفسنا بوسائل كلاسيكية ، كل مايهمنا في الموضوع هو الوصول إلى الهدف . وهنا من الأهمية بمكان عدم تجاهل حقيقة أن ماينتجه ويحققه السياسي خلال نشاطه وبالتعاون مع منظومته السياسية ومشاركتها ، يقاس أولاً وأخيراً بما تحقق في الحقل الأيديولوجي ، ووفق المقاييس والأفكار المدونة ، وذلك من خلال القياس على مدى مصداقية الأفكار التي تسلح بها السياسي وكذلك درجة التزامه بالقيم التي تحدد وترسم مساحة تحركه ، ومدى مطابقة النتائج للمعايير المحددة في المرجعية ( الأيديولوجية ) التي تمنع خروج السياسي عن سكتها ، بمعنى آخر أن العلاقة بين الأيديولوجيا والسياسة هي علاقة عضوية ولكنها غير مرئية في الجزء الأكبر من المساحة التي يتحرك فيها السياسي المقتدر وكذلك المسارات التي يسلكها . والإيديولوجيا التي نحن بصددها اليوم ، والتي تلخص جملة من القيم والمبادئ والأهداف التي تمت الإشارة إلى بعضها ، وعلى الأداة ( إطاراً كان أم حزباً أو فرداً ...) تنفيذها على أرض الواقع يجب أن تكون محدداتها واقعية تتناسب والمرحلة الزمنية ، تتناسب والإمكانات الذاتية والظروف الموضوعية ، وأن نتجنب الأوهام ، كي لاتنتج لاحقاً ردات فعل سلبية وسط الحاضنة الشعبية . وعلينا أن ندرك بأنه يجب إعطاء مساحة كافية للمناورة والتحرك للسياسيين المكلفين، ومنح المرونة اللازمة لهم ، وعدم مطالبتهم بالعودة في كل صغيرة وكبيرة إلى الموافقات اللازمة من خلال الاجتماعات الروتينية ، ولايعني ذلك بأي شكل من الاشكال تجاوز المؤسسات وضوابط العمل ، كون الحركة تمتلك المرجعيات الأيديولوجية والقومية التي تعمل وترسم وتحدد العلاقة بين الخاص والعام وبين المصالح والمبادئ . خلاصة القول يجب أن لانكبل السياسي،وأن نحاسبه فقط على النتائج المرتبطة بالمرجعية ووفق الجدولة المذكورة .

وختاماً ، وكي لايفهم بعض الأعزاء من شبابنا هذه المساهمة ومقاصدها بصورة خاطئة ، نقول بأن النقد " ضروري " ومرحب به دائماً طالما أنه يأتي بغرض التقويم والتصحيح والبناء ، ولكن على الناقد الابتعاد عن التجني . بكل أسف ما لاحظناه في هذه الجزئية – الزيارة - أن النقاد الأعزاء الذين تناولوا هذا الموضوع " غالباً " جانبوا الموضوعية لابل غردوا خارج حقولها تماماً !. على الناقد وقبل كل شيء التخلص من إشكالية عدم القدرة على فهم خصوصية الأمور والأفكار ، وتجنب القفز فوق الاحتمالات التي يمكن أن يقصدها صاحب هذا الرأي أو ذاك الموقف ، وضرورة حصرية توجيه النقد بطريقة إيجابية كي يدرك المقاصد التي أرادها صاحبه ، والتحلي بالموضوعية في دراسة القضية من مختلف جوانبها الإيجابية والسلبية والإمكاناتية ، مع مراعاة الظروف المكانية والزمانية ، وأن يتجرد ولونسبياً من الأحكام والمواقف المسبقة .

...... وللموضوع بقية .