كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
أمير المفرجي 14/10/2020

عن لقاء ممثلة الأمم المتحدة مع مليشيات إيران في العراق

مرة أخرى يثير الموقف الدولي المتخاذل والغامض من الأحداث والتداعيات التي حلت على البلاد منذ غزوها في 2003، غضب العراقيين، نتيجة لإصرار الدول العظمى ومن يمثلها في الأمم المتحدة، على فرض نظام سياسي طائفي، لا يمثل العراقيين، ولا يتناسب مع تاريخه السياسي والحضاري، ولا يتماشى مع التطور الحاصل في المجتمعات المتحضرة.
فبعد الإصرار المتعمد على إضفاء الصبغة الطائفية على لمجتمع العراقي، من خلال التعامل المباشر مع مرجعية السيستاني، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للتباحث والتعامل في شؤون العراق والعراقيين، جاء اللقاء الذي جمع رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت، بالقيادي في ميليشيا كتائب حزب الله العراقية الموالية لإيران عبد العزيز المحمداوي، ليكشف بوضوح عن مدى إصرار القوى المسيطرة على زمام الأمور في الأمم المتحدة، على استمرار مسلسل مخطط الفوضى الخلاقة، الذي أرسته وبدأت به إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش، ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس باحتلالها للعراق بذريعة امتلاك النظام السابق أسلحة دمار شامل، ما أدى، لخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وانزلاق البلاد في عنف طائفي، نتيجة لتدخل القوى الإقليمية، من خلال تنظيم «داعش» ومليشيات إيران، حيث مازالت هذه الأخيرة تمثل التهديد الخطير لمستقبل العراق، والعقبة الأولى لإعادة بناء دولته الوطنية.
ثمة من يرى في هذا الإصرار على التعامل الإثني والقومي الغريب، وإفساح المجال للأحزاب المرتبطة بالخارج، يتناسب ويُكمل حملة غزو العراق، التي دفعت بها إدارة بوش وحكومة توني بلير، إضافة إلى عشرين دولة لتقسيم البلاد، من خلال دعم القوى الانفصالية، كقوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين  بكردستان العراق بزعامة جلال طالباني ومسعود بارزاني من جهة، والتنظيمات الولائية للمشروع القومي الإيراني، الهادف إلى ضم بلاد الرافدين للإمبراطورية الفارسية، عن طريق حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والميليشيات الولائية، وبعض الشخصيات السنية المؤمنة بمشروع تقسيم البلاد إلى ثلاثة أقاليم، التي مازالت تلعب دورا كبيرا في إكمال وتنفيذ أهداف عملية الغزو.
لا شك في أن لقاء ممثلة الأمم المتحدة بلاسخارت الأخير مع أحد قادة المليشيات الولائية للمشروع القومي الإيراني، قد وضع النقاط على الحروف، وكشف عن حجم الترابط بين الأهداف الخفية لعملية غزو العراق، ودور ممثلة الهيئة الأممية الخطير في لقائها بممثلي الاحتلال الإيراني للعراق، وظهورها أمام صور قاسم سليماني، المهين للسيادة العراقية، على الرغم من محاولتها تبرير الأسباب في تغريدة على «تويتر» بقولها «إن الحياد والاستقلال في صميم تفويض الأمم المتحدة يعني أننا نتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب الشأن في السعي لتحقيق السلام. وعملنا في العراق ليس استثناء». كما أن تبرير قادة الميليشيات لأهداف اللقاء على، إنه «لبحث تطورات الأوضاع الأمنية في البلاد وملاحقة بقايا فلول «داعش» الإرهابي، التي تحاول تعكير صفو الأمن والاستقرار»، وكأن عمليات الخطف والقتل لشباب انتفاضة العراقيين، وسقوط الصواريخ على السفارات والأحياء المدنية، تدخل ضمن دائرة المسؤولية والاختصاص التي سمحت بها الأمم المتحدة للميليشيات للقضاء على تنظيم «داعش»، وليصبح في النهاية الحجة لإنهاء الانتفاضة ووأدها.
إن لقاء ممثلة الأمم المتحدة مع أذرع النظام الثيوقراطي الإيراني، الذي يقمع الإيرانيين أنفسهم، هو إساءة لتطلعات الشعوب الحرة المنتفضة، وللدور المحايد للأمم المتحدة، الذي رفض جريمة غزو العراق في 2003، كما إنه يمثل انحيازا للمشروع التوسعي الفارسي، الهادف إلى تقسيم العراقيين وإذلالهم، من خلال عدم احترام سيادة بلدهم، ومحاولة مسح هويتهم الوطنية التي ثاروا من أجلها.

إن لقاء الممثلة الأممية، الذي هو بمثابة تحد لمشاعر العراقيين، يدفع للعديد من التساؤلات، عن مغزى هذا الحوار، مع أحد قادة الإرهاب، وعما تعمل عليه منظمة الأمم المتحدة، ودورها في إعادة السلام والوئام بين العراقيين، ناهيك من مسؤوليتها في محاسبة كل من تلوثت يديه بالدم العراقي، نتيجة للجرائم ضد الإنسانية، التي اقترفت بحق العراقيين، سنة كانوا أم شيعة، التي يتحملها تنظيم «داعش» والميليشيات الولائية للمشروع القومي الإيراني. يبدو واضحا لكل من له بصيرة وطنية، أن إشكالية لقاء ممثلة الأمم المتحدة في العراق، مع ممثلي علي خامنئي في العراق، من الذين قمعوا انتفاضة العراقيين، وتزيين اللقاء بصور قاسم سليماني، هو إشارة واضحة للحالة الضبابية التي طغت على دور الأمم المتحدة، وتخبطها في إيجاد الحلول اللازمة لإعادة سيادة العراق، وهذا ما قد يعني وجود إشكالية وانقسام في أهداف الهيئة الأممية، نتيجة للتعدد في مراكز القوى، وصراع الإرادات للدول العظمى على العراق داخل مجلس الأمن، والأمم المتحدة وانقسامها، في ما يتعلق بملف المشروع الإيراني، بين الأهداف الأمريكية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لتحجيم الدور الإيراني، وأهداف بعض الدول العظمى التي مازالت تدعم نظام الملالي في طهران، تماشيا مع مصالحها، وعلى حساب سيادة العراق ومصالح شعبه.
إن لقاء الممثلة الأممية بقادة المليشيات الولائية لم يأت من «باب الحياد وتفويض الأمم المتحدة، للتعامل مع مجموعة واسعة من أصحاب الشأن في السعي لتحقيق السلام، والعمل في العراق مع الجميع بدون استثناء»، وكما حاول البعض تفسيره. وإنما جاء نتيجة خلاف الدول العظمى داخل الأمم المتحدة حول الملف الإيراني، وصراع الإرادات، بين عالم أحادي القطب، الذي تمثله إدارة الرئيس ترامب، الذي طالما أبدى تعسفه من أهداف المنظمة الدولية، وعدم انصياعها لأهداف القطب الأمريكي الواحد، وتحيزها بالتالي لعالم متعدد الأقطاب، الذي يحاول الأوروبيون والروس والصينيون من خلاله، الدفاع عن مصالحهم في إيران والعراق ومناطق أخرى في العالم. وهذا قد يؤثر على موضوعية تعامل الأمم المتحدة مع الملف العراقي، وانقسامها بالتالي بين سعي الإدارة الأمريكية لإنهاء المشروع الإيراني وطرده، وأهداف من يخالف الاستراتيجية الأمريكية التي يحملها الرئيس الأمريكي ترامب من الدول العظمى، التي مازالت تغازل النظام الإيراني، للحفاظ على مصالحها الحيوية، وعلى حساب السيادة العراقية ومصداقية الأمم المتحدة، وهذا ما قد يفسر لقاء السيدة الشقراء بممثلي إيران في العراق.