كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
عبد الكريم بدرخان 20/05/2020

"استسلام": ماذا لو حكم الإسلاميُّون فرنسا؟

"الحضارات لا تموت اغتيالاً بل تنتحر. وأوروبا التي كانت أوج الحضارة الإنسانية، قد انتحرت حقاً وحقيقة، في غضون بضعة عقود". هذه مقولة رواية "استسلام" للكاتب الفرنسي ميشيل ويلبك التي تُصنَّف أدبياً كرواية "خيال سياسي"، بينما هي رواية رُعب بالنسبة إلى اليمين الأوروبي، ومحرّض على العنف لدى متطرّفي أقصى اليمين.

تدور أحداث الرواية (صدرتْ عن "منشورات الجمل" بترجمة شكير نصر الدين) في باريس عام 2022، قُبيل الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية، والتي يصل إليها كلٌّ من مرشّحة الجبهة الوطنية مارين لوبان، ومرشّح الإخوان المسلمين (أو "الأخوّة المسلمة" حسب الترجمة) محمد بن عباس. في الفترة ذاتها تكون فرنسا وأوروبا كلها على شفا حرب أهلية وشيكة الوقوع بين الأوروبيين الأصليين والمسلمين المهاجرين، فتنتشر أحداثُ الشغب والعنف والقتل والخطف في باريس قبيل الجولة الأخيرة للانتخابات، ويُـتَّـهم بتلك الأحداث كلٌّ من "المتعصّبون لوحدة الهوية" وهم الجناح المتطرّف المؤيد للجبهة الوطنية، و"الجهاديُّون السلفيّون" وهم الجناح المتطرف المؤيّد للإخوان المسلمين.

وهكذا؛ لا يعود أمام حبيبة بطل الرواية، وهي يهودية، سوى أن تهاجر مع عائلتها إلى إسرائيل. أما بطل الرواية "فرانسوا"، فيهرب من باريس ويلجأ إلى مدينة بواتييه ريثما تنتهي الانتخاباتُ وأعمال العنف. ولنُـزُوح فرانسوا -وهو أستاذ في السُوربون- إلى بواتييه دلالةٌ واضحة، فهي المنطقة التي دارتْ فيها المعركة الكبيرة التي نجح فيها ملكُ الفرنجة شارل مارتل في صدّ هجوم جيش العرب المتقدم من الأندلس. وبالتالي فإن نُزُوح فرانسوا كان مكانياً من ناحية، وزمانياً من حيث الدلالة؛ أي العودة إلى الزمن الذي كانت فيه المسيحية هويةً جامعةً لأوروبا، بينما كان الإسلامُ عدوّاً ممنوعاً من الاقتراب. وفي الأخير تنتهي الانتخابات بفوز محمد بن عباس برئاسة فرنسا، بعدما رفعت أحزابُ الوسط شعار "كل شيء إلا الجبهة الوطنية"، وقررتْ الدخول مع ابن عباس في حلف سياسي.

بالنسبة إلى المحاصصة السياسية، يشير الكاتب إلى أنّ الإسلاميين غير مهتمين بالسيطرة على الوزارات السيادية، لأنّ أكثر ما يهمُّهم هو الزيادة الديموغرافية والسيطرة على التعليم. ثم يبدأ بوصف وجه باريس الجديد في ظلّ حكم ابن عباس، فيلاحظ ازدياد محلات الحجاب وملابس النساء الإسلامية، خصوصاً بعد صدور قوانين تمنع النساء من ارتداء المآزر القصيرة وتفرضُ عليهنّ الحشمة. وكذلك تصبح المدارس إسلامية ويقتصر التعليم الإلزامي للإناث على المرحلة الابتدائية فقط، ومن بعدها يذهبن إلى المنزل ليجهّزنَ أنفسَهنَّ للزواج المبكّر. كما تفرض القوانين الجديدة أن يكون جميع المدرّسين من المسلمين دون استثناء، واحترام النظام الغذائي الإسلامي في المطاعم المدرسية، وإيقاف التدريس في مواعيد الصلوات الخمس، وتعليم القرآن الكريم كمادة أساسية.

 أما جامعة السوربون -التي يعمل فيها بطل الرواية فرانسوا- فتصبح "جامعة السوربون الإسلامية"، وتتصدر قاعة الانتظار فيها صورةٌ لحُجّاجٍ يطوفون حول الكعبة، مع آيات قرآنية تزيّن الجدران، وتغدو جميع السكرتيرات محجبات. وكذلك تحظى السوربون الإسلامية بتمويل سُعودي ضخم، إذ يُراهن السعوديون بكل قدرتهم على شراء السُوربون في سياق تنافسهم مع دولة قطر التي اشترتْ جامعة أُكسفورد. وهكذا يجد فرانسوا نفسَه مطروداً من العمل لأنه لم يعتنق الإسلام، أما صديقه ورئيس الجامعة "روديغير" فيعتنق الإسلام من أجل البقاء في منصبه، ويتزوج من امرأتين مسلمتين؛ الأولى في الأربعين من العمر والثانية مراهقة تدعى عائشة. يحاول "روديغير" إقناعَ "فرانسوا" باعتناق الإسلام لكي يعود إلى التدريس، ويشيد بمغريات النظام الإسلامي الجديد، إذ صار مسموحاً للبروفيسور أن يقيم علاقاتٍ مع طالباته وأنْ يتزوّج منهن، وفوقها ميزةُ تعدُّد الزوجات. وفي النهاية يعتنق فرانسوا الإسلام، وينطقُ بالشهادتين في يوم عيد الفصح، ليعود بذلك إلى عمله في الجامعة.

تمتلئ الرواية بالصُّوَر النمطية والعنصرية تجاه العرب والمسلمين، وخاصةً النساء منهم، فيتساءل البطل في بداية الرواية: "ماذا تفعل طالبتان محجّبتان عذراوان في كلية الآداب؟ هل يعرف والدهما أنهما تدرُسان شاعراً كان مثلياً؟". وفي وصفٍ آخرَ لحالِ السوربون الإسلامية: "نساءٌ مُسلِمات مُخلصات مستسلمات تربّينَ على الطاعة وتوفير المتعة لأزواجهنّ". ويظهر الرجل العربي دوماً بصورة الكهل الملتحي الذي يرتدي جلابيّة بيضاء، ومتزوّج من فتاتين مراهقتين أو أكثر. ويضيف الكاتب أن المرأة في الإسلام تبقى طفلة حتى بعد أنْ تصبح أمّـاً وتصبح جدّةً، فهي غيرُ مطلوب منها سوى البقاء في البيت واللعب واللهو، وقد تشتري "ملابس داخلية مثيرة لبضعة أعوام" ثم تعود إلى طفولتها.

بقي أنْ نشير إلى أنّ السياسة الخارجية لرئيس فرنسا المسلم، ابن عباس، تهدف إلى تحقيق وحدة متوسطية، فتنضمُّ تركيا والمغرب إلى الاتحاد الأوروبي، وتجري اتصالات مماثلة مع ليبيا ومصر وسوريا ولبنان من أجل ضمّها إلى الاتحاد الأوروبي أيضاً. وهذا الطرح هو بمثابة فيلم رعب بالنسبة إلى القارئ الأوروبي اليميني الذي يتوجّه إليه ويلبك، وهو يقتبس من الخُميني قوله: "إذا لم يكن الإسلام نظاماً سياسياً فهو لا شيء"، لنلاحظ التطابُق بين طروحات اليمين المتطرّف في الغرب وطروحات الإسلام المتطرّف عندنا، فكلاهما لا يرى الإسلام ديناً مثل كل الأديان، بل كنظام سياسيّ شمولي.

من أجل فهم رواية "استسلام" ينبغي التدليل على المرجعية الفكرية التي جاء منها هذا الخطاب، وهي نظرية "الاستبدال العظيم" لـ رينو كامو ونظرية "الانتحار الفرنسي" لـ إريك زيمور، وكلتاهما من بنات نظرية المؤامرة. ينطلق هذا الخطاب من فكرة "تفوُّق العِرق الأبيض" و"سيادة البيض"، ولذلك ينظر إلى وجود عناصر غير بيضاء في البلدان الأوروبية كظاهرة خطيرة تهدّد الحضارة الأوروبية بالزوال، وبالتالي فالحلُّ يكون بإقصاء العناصر غير البيضاء أو إبادتها. وبما أنّ حلّاً كهذا شِبْهُ مستحيل اليوم، فلا يعود أمام أوروبا والأوروبيين سوى "الاستسلام" أو "الانتحار" وهما كتابَا ويلبك وزيمور. المرجعية الثانية هي معرفة الكاتب السطحية والنمطية بالإسلام، فالإسلام كما يظهر في الرواية عبارة عن: "حجاب- لباس شرعي- تعدُّد زوجات- زواج قاصرات- منع النساء من التعليم والعمل- لحم حلال- شاي بالنعناع- بقلاوة- شيشة... "

هذا وقد دافع ويلبيك عن الانتقادات التي وُجّهتْ إليه إثر هذه الرواية، بقوله إنّ للكاتب الحرية المطلقة في أنْ يكتب ما يريد. هذا صحيحٌ من حيث المبدأ، لكنّ الحرية مشروطة بالمسؤولية، فهو حرٌّ فيما يكتب ومسؤولٌ مسؤولية كاملة عمّا يكتب، وعن الآثار الناجمة عن خطاب الكراهية والعنصرية والتنميط في كتاباته.