كوردی عربي بادینی
Kurdî English

أخبار أراء التقارير لقاءات اقتصاد ملتميديا لایف ستایل ثقافة و فنون
×
إياد أبو شقرا 04/11/2018

العرب... وانتخابات أميركا النصفية وعقوبات إيران

أمامنا بضعة أيام حافلة بالتشنّج والإثارة، وبالغموض والمكابرة.
إذ يسري يوم غد (الاثنين) مفعول العقوبات الأميركية الجديدة على إيران. وبعد غد (الثلاثاء)، يدلي الناخبون الأميركيون بأصواتهم في انتخابات نصفية ستشكل عملياً استفتاء على سياسات الرئيس دونالد ترمب ومقارباته للملفات السياسية والاقتصادية العالمية.
في هذه الأثناء، حالنا نحن، كعرب، لا يخرج - كالعادة - عن التفرّج والتمني، لأننا عجزنا عبر العقود الكثيرة عن بناء «لوبي عربي» حقيقي يستشرف ويتفاعل.
توخياً للإنصاف، لا بد من سوق بعض الأعذار التخفيفية. إذ من الصعب، بل المستحيل، بناء رؤية عربية واحدة أو أولويات عربية موحّدة في الخارج إذا كان الوضع العربي في أرضه منقسماً ومشتتاً، تختلف فيه الاجتهادات، وتتناقض المصالح، وتتغلب الكيدية على الرؤيوية، وتضيع البوصلة بين استراتيجية «الحد الأدنى الضروري» وتكتيك «هوامش الاختلاف المقبولة».
ومن ثم، إذ كنا داخل أوطاننا عاجزين عن وقف التدهور وتغليب لغة المصلحة المشتركة... فكيف نستطيع الانتقال إلى مرحلة بلورة التفاهمات والخطط تمهيداً لمخاطبة الآخرين؟
بعكسنا تماماً، نرى كيف أن القوى التي تنازعنا السيادة على منطقة الشرق الأوسط، تنشط وتناور، وتصل أحياناً بمناوراتها الخطرة إلى شفير الهاوية، لكنها في نهاية المطاف تتفادى السقوط. ولعلها تتفادى السقوط لسببين أساسيين:
الأول، أن هذه القوى تنطلق من قرار واحد واعٍ ومنسجم مع نفسه، يوفر لها أرضية صلبة لتوصيل رسائلها، ومن ثم المساومة والمقايضة بحيث تتجنب الخسارة حيث يتعذّر ضمان الربح.
والثاني، أنها تفهم نقاط قوة الديمقراطية ونقاط ضعفها أيضاً. وعليه، فهي من ناحية تجيد الاستثمار في الإعلام والعلاقات العامة وغيرهما من أدوات «القوة الناعمة»، ومن ناحية ثانية، تعرف كيف تنتظر ومتى تطالب وتتشدّد ومتى تهادن وتتراجع، لإدراكها أن الأحزاب الحاكمة في الديمقراطيات الغربية خاضعة لتداول السلطة، ولذا فهي تتغير بعد بضع سنوات.
إسرائيل، وليدة الثقافة والتقاليد الغربية، أدركت هذا الواقع جيداً، وعملت بموجبه بنجاح لافت منذ تأسيسها حتى اللحظة.
أيضاً، مؤسسة الحكم في إيران، على الرغم من خطابها المحافظ و«عنترياتها» الاستفزازية، ناهيك بسياساتها العدوانية، استوعبت «الدرس الإسرائيلي» جيداً ومزجته بنجاح مع «التقية الثقافية» التقليدية. وها هي اليوم لديها خطاب مخصّص للشارع الإيراني، وثانٍ للعرب، وثالث للقوى الأجنبية الكبرى التي تتعامل معها. وهي إذا كانت تتعامل مع الداخل عبر أجهزة «الدولة الأمنية» العميقة، ومع العرب عن طريق الميليشيات الطائفية ورعاية التطرف والإرهاب والتجييش التقسيمي تحت شعارات نضالية زائفة، فهي ترسل إلى الغرب «معتدليها» المتخرّجين في جامعاته ومعاهده «لتصدير» الصورة اللطيفة والبراقة المطلوبة.
حتى تركيا، التي تشعر أن من حقها أيضاً أن تستعيد جزءاً من نفوذها الإقليمي الذي خسرته بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، تتعلم تدريجياً من أخطائها في محاورة الغرب. وهي راهناً تنوّع في تعاملها بين التشدّد واللين مع روسيا، العدو القومي والديني القديم، ومع أوروبا الغربية حيث «ضباب» التاريخ وتبعات «الهجرة»... وأخيراً، مع أميركا، حليف «الحرب الباردة» و«الشريك الملتبس» أيام صعود الإسلام السياسي والشعبوية الغربية!
سياسات إدارة الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما الشرق أوسطية، لا شك، كانت كارثية تماماً بالنسبة للعرب. لقد أدت تلك السياسات إلى إطلاق يد إيران، بالتوازي مع تدمير عدد من الكيانات العربية إثر وعود «طوباوية» خادعة نسفتها على الأرض مصالح أبعد ما تكون عن المبادئ الأخلاقية. وخارج نطاق استرضاء إيران، وتعزيز التعاون معها على حساب الشعوب العربية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لم تقدم إدارة أوباما شيئاً ملموساً للفلسطينيين.
ومن ثم، عندما ربح الجمهوريون معركة الرئاسة قبل سنتين، وأعلن الرئيس دونالد ترمب اعتزامه تغيير سياسة واشنطن إزاء المنطقة، شعر كثرة من العرب بارتياح. شعروا بذلك مع أن الرئيس الجديد كان يعتمد خطاباً متشدداً ضد الجاليات العربية والمسلمة داخل الولايات المتحدة، سرعان ما ظهر في سلسلة من الإجراءات التضييقية. وبعد ذلك، جاء قراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ليخدم ليس فقط التطرف الإسرائيلي... بل المبرّر المصطنع للتدخل الإيراني في المنطقة.
صحيح خطاب ترمب ضد «ملالي» طهران كان قوياً وعدائياً، وصل إلى العقوبات التي يسري مفعولها غداً، لكن الصحيح أيضاً أن عدة أصوات داخل الإدارة كرّرت القول خلال العامين الأخيرين إنها «لا تسعى إلى إسقاط نظام طهران، بل تغيير سلوكه!». وخلال الساعات الأخيرة، رغم إعادة التذكير بالنقاط الـ12 التي جعلها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو «شروطاً» لإنهاء الخلاف مع الإيرانيين، فإن إعفاء عدد من كبريات الدول المستوردة للنفط الإيراني من العقوبات أضعف مفعول هذه العقوبات كثيراً.
إيرانياً، أيضاً، ما كان «تشدّد» الخطاب السياسي الأميركي إزاء اليمن متوافقاً مع التعامل الدولي «الناعم» مع الحوثيين، مع أنهم فعلياً جزء لا يتجزأ من مشروع إيران التوسعي الإقليمي. وكذلك بالنسبة لسوريا، حيث بعد التغيّر الشكلي في التعامل، سرعان ما انتهت عمليات القصف القليلة من الناحية السياسية إلى وضع عام مائع لا يختلف كثيراً عن الوضع السابق، ووسط سكوت على تطبيع إقليمي وعربي ودولي واقعي مع نظام بشار الأسد. والشيء نفسه، يمكن تعميمه على سلبية واشنطن حيال الحالتين العراقية واللبنانية حيث تمسك ميليشيات إيران بكل خيوط اللعبة ومفاصل الحكم، فتقرّر استراتيجيات الأمن... وتعطل على هواها تشكيل الحكومات!
عودة إلى انتخابات أميركا النصفية. الرئيس ترمب تحدّث بالأمس عن «إمكانية» استحواذ الديمقراطيين على غالبية مجلس النواب. وهذا، يعني إضعاف سياساته ضد إيران، ونسف فاعلية أي إجراء جدّي ضدها. وإذا تذكرنا أن المواقف الأوروبية، أصلاً، ضد العقوبات... يصبح لزاماً علينا توقع مرحلة صعبة على مستوى المنطقة، تشمل فصلاً جديداً من الحرب النفسية الابتزازية.
يصبح لزاماً علينا التنبه للتواطؤ الدولي الصريح إزاء هيمنة «قوى الأمر الواقع» على العراق وسوريا ولبنان، وإلى الإغفال المتعمّد لمسؤولية طهران المباشرة عن الوضع الانقلابي ومآسيه في اليمن.